الجمعة , مايو 17 2024
أخبار عاجلة
الرئيسية / الأسرة و المجتمع / الفن التشكيلي وجمالية الشعر_ الجزء الثاني

الفن التشكيلي وجمالية الشعر_ الجزء الثاني

الفن التشكيلي وجمالية الشعر الأصيل

بقلم المهندس/الكاتب والباحث في الفنون الجميلة

الجزء الثاني: جمالية الشعر الأصيل

 

  1. الشعر الحساني والذوق الجمالي
ا

لشعر الحساني على غرار الشعر العربي الفصيح له بحور. أصحابه ورواده هم الناطقون باللهجة الحسانية. أصل كلمة حساني من اللهجة الحسانية التي يعرف بها أهل موريتانيا والصحراء المغربية أو ما يعرف بالبيضان .موضوعات الشعر الحساني (الغزل، البكاء على الأطلال، الهجاء، المديح، الموال، التبراع…).

أهم القواعد التي تمتاز بها القصيدة الشعرية الحسانية هو أوزانها وأبحارها الموسيقية التي تعتمد على “الكاف” الذي يعتبر أصغر وحدة شعرية في القصيدة تليها “الطلعة”، ثم “التهدينة”.

شعر “التبراع” عند النساء الحسانيات

 هذا الإبداع الشعري هو نموذج ل”عالية ماء العينين “، الذي هو في الأصل شعر غزل النساء بالرجال الذي هو عبارة عن حالة عاطفية مجردة تشعر بها المرأة أمام حب له إحساس خاص للرجل لا يشد المقابل ولا يطلب الاعتراف به، على سبيل المثال:

  • وَأَنَا فُؤَادِي طَارِي لُ شِي مَاهُ عَادِي (هذا البوح تشعر المرأة أن فؤادها طرأ عليه أمر غريب).
  • وَنْبَانْ ذَا الْعَامْ تْعَلَّمْنَا مَعْنَى الْغَرَامْ ( يبدو أننا هذا العام تعلمنا معنى الغرام).
  • وَشْبِيَّ مَا نَنْسَاهْ لاَ يَعْلَمُهُ إِلَّى اللهْ (السبب في عدم قدرتي على النسيان لا يعلمه إلا الله).
  • حَكْلِ يَاَخِي عُودْ اكْرَبْ لِ مَنْ ذَاكْ شْوِيْ (بحق الله، كن أقرب لي من أنت عليه شوي).

شعر شعراء مدرسة ” أهل عبدالنبي”  بعيون الساقية الحمراء وادي الذهب

توجد حاليا في المغرب وموريتانيا عدة مدارس للشعر الحساني ، في موريتانيا مثلا نجد مدرسة الهدار، وفي الصحراء المغربية نجد عدة مدارس من بينها مدرسة أهل امليحة، ومدرسة السراخ ولد أحمد علي ومدرسة أهل عبدالنبي. هؤلاء لهم باع كبير في الشعر الحساني. يمكن تقديم بعض المقتطفات من القصائد الشعرية، التي يقال لها بالحسانية “الكاف” أو “الطلعة”، لبعض الشعراء المنتميــن لمدرســــة أهـــل عبدالنبي الذيـــن كان لهـــم ” شــور” أي “موال” يغنــون بــــه ” يَاتِيزْنِيتْ انْدُورْ انْزُورَكْ “، وذلك للاطلاع عليها والتمتع بدوقها الفني والجمالي ، والتي هي ، حسب كل شاعر، كالتالي:

الكفة بنت عبدالنبي

– كَانْ الدَّلاَّلْ مَنْ التَّحْجَالْ مَرْتَدْ أٌوحَاشَا مُولاَنَا وَاصْبَرْ يَالدَّلاَّلْ اعْلَى حَالْ أَلاَّ لَعْكُوبَة لَلْفَانِي.

   ” الدَّلاَّلْ ” أي العقل.” من التَّحْجَالْ ” أي من التفكر.” لَلْفَانِي ”  أي لابد من الموت.

– الْعَبْنَا حَتَّى، وَاضْحَكْنَا، غَنِّينَا، وَانْكَالْ اغْنَانَا، وَالْيُومْ اللهْ يَثَبَّتْنَا اعْلَى ذِكْرَكْ يَامُولاَنَا.

ابراهيم ولد بوجمعة ولد عبدالنبي

– يَلاَّ لَ حَشْمَتْ ذِيكْ الرُّوحْ…جِيتَكْ مَتْعَنِّي بِكَانْ

وَقْتَنْ اللِّي جِيتْ اجْبَرْتَكْ مَطْرُوحْ … مْوَدَّعْ زَادْ لَّ مُولاَنَا

– يَاسَالَمْ لاَّ يَكْلَعْ مْزَاكْ…كَدْ امْنِينْ اتْكَزْ حْفُولَكْ

نَكْدَرْ نَحْكَمْ لْمَرَدْ أُورَاكْ…مَا دْخَلْ ذَاكْ اللِّي دُونَكْ

” لْمَرَدْ ” هو الطريق.

عبدالحي ولد بوجمعة ولد عبدالنبي

إِجُوكْ الرَّدَّاتْ مَنْ الجِّيبْ …واتْجِيكْ الْكَحْلَة وَالْبِيضَة

وَاعْلِيكْ انْكَبُّوا لَمْحَاجِيبْ…الْكَلْتَة وَاتْجِيكْ الْفِيضَة

ماء العينين ولد عبدالحي ولد بوجمعة ولد عبدالنبي

مَا انْصَابْ السَّحْبْ اللاَّ يَلَفْ عْلَى ذِي لَرْضْ ابْطِيحَة وَادِي الطَّلْحَة وَكْنِي يَدْلَفْ أَفُودْ وُلَكْزِزِيحَة.

” أَفُودْ وُلَكْزِزِيحَة ” مواقع ما بين طرفاية والعيون في الجهة الساحلية.

لحبيب ولد ابراهيم ولد بوجمعة ولد عبدالنبي

يَاوْلِي دَادَمْ سَادَكْ تَنْدَمْ مَا نَفْعَكْ خُوكْ أُولاَ جَارَكْ…اتْرَكْ هَمْ الدَّنْيَا…وَاخْدَمْ لْدَارْ اللِّي هِيَّ دَارَكْ.

” يَاوْلِي دَادَمْ ”  أي يابني آدم.

  1. جمالية الشعر الحر أوالعامي”الزجل”

الشعر بصفة عامة يعتمد على الإبداع، والإبداع حسب الشاعرة نادية العمراتي في كتابها “عشق بين دفاتري”، هو إحساس ممزوج بالتحرر وبحث نستأذن فيه العقل للوصول إلى عالم الأفكار، أو بعبارة أخرى هو كل ما نبحث عنه، قد يكون أمامنا، خلفنا، أو محيطا بنا . في الماضي أو الحاضر. وأضيف إلى ذلك المستقبل. والإبداع يكون غالبا مرتبط بالرغبة أو الحب. والحب هو كذلك ” إحساس وعبارة عن رعشة من الذات تتجلى في المشاعر الصادقة الصادرة من الوجدان، يعانقها الشاعر ليشفي غليل أحاسيس متوهجة بأجمل التعابير تخترق كل القوانين لاهثة نحو قلم ودفتر يستهويها الغرام “. الإبداع والحب هما في نهاية المطاف من يعطيان جمالية ورونق  للشعر. فكلما كان الإبداع جيدا ومتميزا كلما ازدادت جمالية الشعر.

بخصوص الشعر الحر، هذا الأخير يتميز بالواقعية التي غالبا ما تمزج بالرمزية ويتخلخل الذوق الجمالي فيه في حال إذا ما تم حذف أحد أبياته أو مقاطعه وقد يؤثر ذلك بشكل كبير على معنى القصيدة وبنائها الكلي من ناحية المعنى والناحية الشكلية والفنية. ولإبراز جمالية الشعر، سأحاول تقديم نموذج لمحمود درويش ولثلاثة شعراء برزوا بشكل كبير خلال السنة الجارية 2022.

الشاعر محمود درويش-، قصيدة شعرية

اشْرُبْ قَهْوَتَكْ، وَاعْتَنِقِ الصَّمْتْ..

وَلاَ تَأخُذِ النَّاسَ عَلَى مَحْمَلِ الْجِدْ..

وَلاَ تَأْخُذُ الْحَيَاةَ عَلَى عَاتِقَكْ..

وَلاَ تُبَالِغْ فِي عَاطِفَتِكِ..

وَلاَ تُرْضِى أَحَداً رَغْماً عَنْ أَنْفِكْ..

الشاعرة نادية العمراتي- (أرصفة عارية)، قصيدة شعرية “صمت الأحلام”

بين غمرة الليل

تنام ثنايا الشمس.

أستجير سحر المساء

ليوقظ شهد الكلام.

أمتطي صحوة عشق

تزين برضاب شفتيه.

رائحة الفراشات.

أتنفسها حين تمطر.

حبات الكرز.

تتدلل على ريح

شقت أوتار الحلم.

بين طياتها أطلب عاشقا

يكتب شعر الضاد.

في فيافي الملذات.

يسأل جمال الصحراء.

عن ترانيم بوح

منكسر خارج نفسي.

الشاعرة صباح بنداوود- (حرف من الشعا)، قصيدة زجل ” اللوحة”

كنعقل على اللوحة

مللي رسمتها بالريح

وكانت عين الضو مغمضة

فين ما تبغي اللوحة ترسمني

تكحل الريشة رموشها

بسواد الشوفة

الهاربة من باب النور

علاش اللوحة كتطلع

بلا ظل ؟

واش حيت

ضايعة ف اللوان

ولا الريشة عمرها

ما شافت اللوحة؟

الزجال الكبير أشباح الحسين، قصيدتين ” فِرَاقْ الأَحْبَابْ “، و” ادُنُوبِي عَلَى مَنْ ؟ ” 

أشباح الحسين، من مواليد امريرت، تعلق في البداية بالزجل الغيواني ، وبعدها تعاطى للزجل الاجتماعي الشعبي، واليوم أهتم بشكل كبير بالزجل الوطني. قصائده فيهم ما يغنى وفيهم ما يليق بالمسرح. له عدة قصائد في الزجل. نقدم بعض المقتطفات لقصيدتين، الأولى تحمل عنوان ” فِرَاقْ الأَحْبَابْ “، والثانية ” ادُنُوبِي عَلَى مَنْ ؟

  • فِرَاقْ الأَحْبَابْ

الَحْبَابْ الَحْبَابْ … اعْلاَشْ هَاذْ الْغِيَّابْ

اعْلاَشْ هَاذْ الْغِيَّابْ… مَنْ غِيرْ سَبَّة وَاسْبَابْ

فَرْقَاتْنَا اسْنِينْ كْثِيرَة… مَا ابْغِينَا مَا ابْغِيتُوا

اعْمَلْنَا لَقْلُوبْ فْحِيرَة… مَا انْسِينَا مَا تَّنْسِيتُوا

والْيُومْ جِينَا بَشْوَاقْ كْثِيرَة… افْرَحْنَا وَافْرَحْتُوا

عِينْكُمْ بَالْفَرْحْ كْبِيرَة… بَسْلَامْنَا مَا اتْكَبَّرْتُوا

عَادْ الشُّوقْ افْتَحْ لَبْصَارْ… أُوسَوَا لَقْلُوبْ وَامْحَى لَغْيَارْ

صِلَةْ الرَّحِمْ تَتْزَكِّي لَعْمَارْ… وَالْوَافِي مَا ايْحَافِي َيتْهَلَّى فَالجَّارْ

احْمَلْنَا الشُّوقْ وَاحْيِيِنَا…وَانْسِينَا الْمَاضِي

  • ادُنُوبِي عَلَى مَنْ ؟

ادْنُوبِي اعْلِيَّ… َوَلاَّ اعْلَى اللِّي لاَحْنِي

أَنَا مَا اعْمَلْتْ دَنْبْ بِدِّيَ…وَاللهْ شَافْنِي

وَالْحَالَة حَالَة اتْشَفِّي… حَتَّى ادْمِيرْ مَا امْصَفِّي

أَلَهْمُومْ سِيرِي اتْخَفِّي… والرَّاحَة كَاعْ لاَ اتْحَلْفِي

مَا عَنْدَكْ فِينْ اتَّلْفِي…الِرّيحْ شَارَكْنِي

قَلْبِي امَّزَّقْ تَيْشَفِّي… وَاللهْ شَافْنِي

ادْنُوبِي اعْلِيَّ … أَوَلاَّ اعْلَى اللِّي لاَحْنِي

أَنَا مَا اعْمَلْتْ دَنْبْ بِدِّي… واللهْ شَافْنِي

 سأختم مقالي هذا المتعلق ب” الفن التشكيلي وجمالية الشعر الأصيل “، بمقولة الخليل بن أحمد الذي صنف الرجال إلى أربعة أصناف، حيث قال:

– الصنف الأول: رجل يدري ويدري أنه يدري، فذلك عالم فاتبعوه،

– الصنف الثاني: رجل يدري ولا يدري أنه يدري، فذلك نائم فأيقظوه،

– الصنف الثالث: رجل لا يدري ويدري أنه لا يدري، فذلك مسترشد فارشدوه،

– الصنف الرابع: رجل لا يدري ولا يدري أنه لا يدري، فذلك جاهل فارفضوه.

وما ينطبق على مقولة الخليل بن أحمد ينطبق على التذوق في الفن التشكيلي وجمالية الشعر الأصيل، ونتمنى أن نكون من ضمن أولئك الذين يومنون بمقولة “رجل يدري ويدري أنه يدري، فذلك عالم فاتبعوه”.

عن afriquemondearab

شاهد أيضاً

الجامعة المغربية لحقوق المستهلك تتابع بقلق احتقان قطاع التعليم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *