الخميس , مارس 28 2024
أخبار عاجلة
الرئيسية / الأسرة و المجتمع / صفحات من الماضي● (تابع) ■ ماسح الأحذية ■

صفحات من الماضي● (تابع) ■ ماسح الأحذية ■

  • صفحات من الماضي●
    (تابع) ■ ماسح الأحذية ■


واستوفتني صفحة ..لشاب في مقتبل العمر ..يحمل علبة خشبية متدلية على كتفيه بحبل هش ..يتجول بين الشوارع والمقاهي…يستعطي القادم والرائح ..تراه من يكون …؟؟..
أنه : { ماسح الأحذية..والمفاجأة القاتلة }
هناك …بتلك الصفحة ..كان (مسعود ) ينظر إلي ..بعينين فارغتين ..وقد تمكن منهما الضياع …شعر أشعث ..وقد تدلى على كتفيه ..يحمل غبار البؤس والشقاء ..وكأن المشط لم يلمسه من سنين .
يرتدي قميصا رثا وسروالا جمع كل ألوان الرقع البالية ..
حذاؤه لا يحمل من شكل الأحذية إلا الوجه ..وقد تورمت قدماه …
لم أتمكن من إبعاد نظري عنه …كنت أقرأ ما تحكيه مقلتاه
وما تريد النطق به شفتاه المرتعدتان من البرد …أو ربما ترتعدان من الحسرة. والعجز عن التعبير ..وكأن حلقه بلع لسانه …
حاولت انتزاع ..ما يجول بخاطره …وما لم يستطع لسانه الإفصاح عنه …
بنظراته …بشفتيه ..وبهيأته المنكمشه ..أجده يعاتب نفسه ويلومها …على فرصة ثمينة ضيعها …
ويلعن (مسعود ) الحظ الذي رماه خارج الزمن ..والمكان …حظ تحالف والزبناء عليه ..وجعلانه يجوب الشوارع والمقاهي ..بحثا عن دراهم لقوت يومه …يتوه بين الدروب . ولا يستقر في حي أو مكان…
تارة تجده بالمقاهي يبحث عمن يريد تلميع حذائه ..وتارة تجده يحذق في أحذية المارة ..كالمجنون ..يطارد أغلبيتهم مناديا ..بأسئلة ساذجة ومتكررة ..
+( سيدي …سيدي ..هل تريد تلميع حذائك ..)
مرت أحواله على هذا النحو ..بروتينية مملة ..ينظر يمينا ويسارا … زملاؤه في نفس المهنة ..هناك يتسابقون لنزع اللقمة. ..
فكر (مسعود )مليا ..ماذا لو غادر المكان …لعل رزقه في مكان آخر
وتراه يغادر زملاءه …تاركهم …يتلذذون بشم ( السيليسيون ) ..أو الاكياس البلاستيكية وقد انتفخت بدخان السيارات …بجانب إحدى المقاهي ..
ابتعد عنهم قليلا …منهكا ..يائسا ..اتكأ على جدار غير بعيد ..وأخرج سيجارة من جيبه وقد احترق نصفها …واستهلك …اهترأت لفافتها من كثرة ما أخرحت من الجيب وأدخلت ….
يرتشف تلك السيجارة …ويتابع دخانها المتصاعد بنظرة فارغة ..وكأنه يسأله دليلا عن مشوار جديد …
انتفض فزعا ..على صوت يناديه ..
+ ( يا فتى …يا فتى .. انت ..)
لعله نادل المقهى يحاول أبعاده عن الجدار .. أو ربما أحد زملائه يريد مشاطرته ما تبقى من السيجارة ..أو ربما الصوت آت من داخله …فكم مرة استفاق فزعا.. وهو نائم على رصيف ..او تحت شجرة ..على صوت الحارس .او دورية الأمن …
التفت يستطلع الصوت …وإذا بزبون يلوح له …ويشير إلى حذائه …واستبشر خيرا …
كان شاب أنيق المظهر ..تكشف ملامحه ..عن يسر العيش ..ورفاه الحياة …
أعاد ما تبقي من السيجارة إلى جيبه بعد ان أطفأها …وشد علبته متلملما ..مستبشرا ..وارتمى أمام رجلي الزبون …بأسئلته المعهودة …
+ سيدي ..تريد مسح حذاءك فقط ؟؟..ام تريد تلميعه ..؟؟.
انتظر جوابا …لم يصله ..فتابع ..
+ سيدي ..لدي صباغة جيدة ..وأخرى عادية … أيهما تريد ؟؟..سأغطي جواربك …
لا رد ولا تعليق …زبوننا منهمك في قراءة الجريدة ….
كل هذه الأسئلة ..والزبون صامت لا ينطق …
ابتلع فتانا ريقه ..وانهمك في التلميع والمسح ..بفرشاة لم تذق طعم غبار الأحذية من أيام …
أحس فجأة بالغرابة …فلأول مرة لا يتجاوب معه زبون ..حذث نفسه …( هل أخطات ..؟؟)
فالخطأ بالنسبة له …الحرمان من الأجرة ..فربما قد يعاقبه هذا الشخص لثرثرته ..ولا يكافئه …
رفع رأسه يستطلع هذا الشخص الذي قلما صادف أمثاله ..من يكون ؟؟..
تسمر في مكانه ..وكاد يهوي وهو جالس القرفصاء ..ينظر إليه ..وقد فرغ فاهه ..واتسعت مقلتاه …
ملامح لا بد انها تحتل مكانا في ذاكرته …نعم …نعم ..إنه زميله في الدراسة الإبتدائية…فعلا تذكر .. أنه ( عصام )..
ابتسم ابتسامة خاطفة …عبرت عن سعادة خاطفة .. سرعان ما انقلبت إلى حزن وخجل …تنهد …وتمنى لو أن الأرض انشقت وابتلعته …
طأطا رأسه ..خوفا أن يتذكره (عصام) … وجمع لوازمه ..والإضطراب يسيطر على اطرافه …وفر هاربا …
محاولا الاختباء بثنايا أول درب أو منعطف يصادفه …
ولسوء حظه …كان الشارع طويلا…لا دروب فيه ولا منعطفات ….مما زاد من اضطرابه وعمق إحباطه ..
صوت عصام يناديه ..
+ أجرك يا شاب …ما بالك …تعال خذ أجرك …
لم يلتفت …(مسعود )…لاهثا …تابع فراره …يلعن الحظ المشؤوم الذي ذكره بخيبته

فاطمة ولاد سعيد
30\11\2021

عن afriquemondearab

شاهد أيضاً

الجامعة المغربية لحقوق المستهلك تتابع بقلق احتقان قطاع التعليم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *