السبت , يوليو 27 2024
أخبار عاجلة
الرئيسية / الأسرة و المجتمع / الإيثار على النفس، وجزاؤه يوم تحاسب كل نفس

الإيثار على النفس، وجزاؤه يوم تحاسب كل نفس

 

إن خلق الإيثار له أهمية قصوى في انتعاش اقتصاد كل بلد . ويعتبر دواء شافيا لمرض الأنانية المتسلطة وحب الذات . كما يجعل الإنسان عضوا فعالا في بناء الأمة ، يسعد بها وتسعد به ، ويحافظ عليها وتحافظ عليه .

  فالإيثار من فعل : آثر إيثارا . وآثره : أكرمه واختاره وفضله. ومعناه : أن يفضل الإنسان غيره بالمال ، وبكل شيء على نفسه وإن كان هو في غاية الحاجة والفاقة إليه . ويتجلى في بذل المسلم ماله بسخاء ، مع حبه الخير للجميع ، وإيثارهم على نفسه .

  • التأصيل الشرعي لخلق الإيثار :
  • قال الله عز وجل : ( ويوثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون …).(1)
  • وقال تعالى : ( وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا وأعظم أجرا ….) (2).
  • وقال جل شأنه : ( وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنه غفور شكور ….) (3).

فإيثار المؤمنين،  ليس غنى عن المال ، ولكنه عن حاجة وفقر ، وتلك غاية الإيثار . ومن حماه الله وسلم من البخل ، أفلح ونجح . والشح،  هو :  البخل الشديد ، مع الجشع والطمع . قال ابن عمر : ( ليس الشح أن يمنع الرجل ماله ، إنما الشح أن تطمع عينه فيما ليس له ) .(4)

فأي شيء يفعله الإنسان من وجوه البر والخير، يلقى أجره وثوابه يوم القيامة ، خيرا له مما قدم في الدنيا من صالح الأعمال. ومن ثم ، يكون رابحا في تجارته مع الله تعالى . فلا يمكن أن يصاب بالكساد والخسران أبدا.

فبالإيثار تزيد الألفة بين القلوب ، وتزال الضغائن والأحقاد ، ويصلح المجتمع ، ويستقيم أمر الناس،  وتسود المحبة بين الجميع . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لايومن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ) .(5).

وقال عليه الصلاة والسلام : ( إياكم والظلم ، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة ، واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان                قبلكم  ،  حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم ). (6). وعن أبي سعيد رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ( خصلتان لا تجتمعان(7) في مؤمن: البخل وسوء الخلق ). (8) .

ويعاتب الله عز وجل يوم القيامة الذين منعوا أموالهم عن السائلين ،  كما ورد في الحديث القدسي : ( با بن آدم ، استطعمتك فلم تطعمني …قال : يارب ، وكيف أطعمك وأنت رب العالمين !  ….قال :  استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه.  أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي ؟ ….يابن آدم ، استسقيتك فلم تسقني …قال : يارب ، وكيف أسقيك وأنت رب العالمين ؟ !  …قال : استسقاك عبدي فلان فلم تسقه . أما علمت أنك لو أسقيته لوجدت ذلك عندي ؟ ! )9   .

وقد استوقفني كلام نفيس للأستاذ :  عفيف عبد الفتاح طبارة ، يقول فيه : ( فالبخل يصيب المجتمع بأشد الكوارث والأضرار، فهو يزرع الأحقاد في قلوب المحرومين  ، نحو الأغنياء البخلاء ،  مما يجعلهم يتحينون الفرص للتألب عليهم وتدمير ممتلكاتهم . وما حصل عبر التاريخ من ثورات دامية مدمرة ، كان مصدرها بخل الأغنياء ،  الذين استأثروا بخيرات المجتمع ، وراحوا يصرفون أموالهم على ملذاتهم وشهواتهم . بينما أبناء وطنهم ،  يقاسون الحرمان ويشتهون                       لقمة العيش …

  فالإسلام يعتبر المال الذي في حوزة الإنسان ، هو مال الله ،  أعطاه للإنسان كوديعة ،  لينفق منه على نفسه،  وعلى المستحقين من عباد الله . فالبخل به على المحرومين ، هو احتكار للوديعة ، ومنع للمال من أن يؤدي دوره الخير في المجتمع ، مما يؤدي إلى انعكاسات سيئة على أصحاب الثروات) (10).

  فقوة إيمان المسلم ، تجعله يؤثر غيره على نفسه ، فيكون سخيا بماله  ، وبصحته ،  وبقوته ، وبكل شيئ                   مقابل الفوز بالجنة . فالمؤمن الحقيقي ، والأخ الوفي ، والصديق الصادق ، والجار المخلص ، يظهرون في وقت الشدة والضيق. أما وقت الرخاء  ، فليس معيارا لاختبار صدق هؤلاء ومحبتهم ، وإيمانهم ورجولتهم ، بل وإنسانيتهم  كذلك.

     فالكرم ، والسخاء ، والجود ، صفات كريمة ، وأخلاق عظيمة ، تخلق بها الرسل والأنبياء والصالحون.                          أما الشح والبخل ،  والأنانية ، والإفراط في حب الذات ، وإقصاء الغير ، صفات ذميمة ، وأخلاق سيئة . فلا يجب على المسلم ، أن يتحلى بها ، لأنها تقدح في مروءته وسمعته وشرفه ،  كما تدل على قساوة قلبه ، وفقدانه                      من الرحمة ، واستعظامه لنفسه ، واحتقاره للغير وازدرائه منهم . وقد قال صلى الله عليه وسلم :  ( الكريم قريب من الله ، قريب من الناس ، قريب من الجنة ، بعيد عن النار ، ….والبخيل بعيد عن الله ، بعيد عن الناس ، بعيد عن الجنة ، قريب من النار )(11).

  • فضائله .

يعود الإيثار المسلم على حب الخير للجميع ، ويجعله مشبعا بالأخلاق الإسلامية الراقية . وبذلك يواصل أداء رسالته الخلقية المثالية في الحياة . ومن الصور التي تشكل نموذجا حيا لخلق المسلم في الإيثار وحب الخير ، – أذكر على سبيل  المثال لا الحصر- :  

  • الإمام علي كرم الله وجهه ، الذي آثر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحياة،  فقدم أعلى مثل في الإيثار والتضحية والفداء . فلما قررت  قريش أن تغتاله صلى الله عليه وسلم ، بحث على من ينام في فراشه ،  ليموه على المتربصين به . فكان علي بن أبي طالب ،  هو الذي آثره صلى الله عليه وسلم .
  • أبو طلحة الذي آثر ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم على نفسه وعياله.  فلما أحضرت زوجته الطعام ، قامت إلى السراج كأنها تريد إصلاحه ، فأطفأته ونومت أطفالها  ، وهم يشتكون من شدة الجوع . فأخذ الضيف يأكل في الظلام وحده حتى شبع ،  و باتت الأسرة كلها جائعة . فتعجب الرسول صلى الله عليه وسلم لذلك ،  وتبسم . فنزل قوله تعالى : ( ويوثرون على أنفسهم ولو كـــــــــــان بهم خصاصة …) . وقد سبقت الإشارة إلى هذه الآية .
  • أبوبكر الصديق رضي الله عنه ، الذي تصدق بجميع ماله .  فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم :                   ( ما أبقيت لأهلك ؟ ) فقال رضي الله عنه : أبقيت لهم الله ورسوله .
  • عكرمة وأصحابه الذين عرض عليهم الماء يوم اليرموك . فكان كل واحد منهم يأمر بدفعه إلى صاحبه وهو جريح مثقل ، أحوج ما يكون إلى الماء . فرده الآخر إلى الثالث ، فما وصل إلى الثالث حتى ماتوا عن آخرهم .  ولم يشربه أحد منهم رضي الله عنهم وأرضاهم .
  • جاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه يوما إلى النبي صلى الله عليه وسلم شاكيا علي بن أبي طالب – كرم الله وجهه – ، يقول : يارسول الله ، يجعلني  دائما أبدأ بالسلام ، ولا يبدأ هو بالسلام.

 

 

فاستدعى النبي (عليه الصلاة والسلام ) عليا – كرم الله وجهه – ، وقال له   : يا علي : لماذا تجعل عمر يبدأك بالسلام دائما ؟ فيجيب علي 🙁لأني سمعتك يارسول الله ، تقول : من بدأ أخاه بالسلام ، بنى الله له قصرا في الجنة ، فأردت أن يبدأني عمر ، فيأخذ ذلك القصر في الجنة  )  .

                                            وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .

 

 

                                                                        من إعداد : الدكتور إبراهيم المعتصم السڭراتي

 

  • موظف بالمراقبة المالية المحلية بنظارة الأوقاف بتيزنيت.
  • منخرط في الاتحاد العام الوطني لدكاترة المغرب .

 

الهوامش:

 

  • سورة الحشر، الآية: 09 .
  • سورة المزمل ، الآية : 18 .
  • سورة فاطر ، الآيتان : 29 و30 .
  • حاشية الصاوي : 4/190 .
  • متفق عليه .
  • أخرجه مسلم .
  • فلا يجتمعان مع الإيمان، لشرفه ، وخستهما. لإضرارهما بخلق الله تعالى . والمؤمن مصدر لكل خير ، كالنخلة ينتفع بكل أجزائها .
  • رواه الترمذي .
  • رواه مسلم في باب البر .
  • انظر: الخطايا في نظر الإسلام ، للأستاذ : عفيف عبد الفتاح طبارة . الطبعة الثامنة، 1985. م .

      ص: 132-133 .

  • رواه الترمذي عن أبي هريرة – رضي الله عنه – ، بلفظ  : (السخي ) .

 

 

عن afriquemondearab

شاهد أيضاً

الجامعة المغربية لحقوق المستهلك تتابع بقلق احتقان قطاع التعليم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *