الجمعة , مارس 29 2024
أخبار عاجلة
الرئيسية / الأسرة و المجتمع / الباحث في القضاء الإداري عبد المطلب الزكاري يقدم مقالة اكاديمية بعنوان*المشروعية الإستثنائية للشرطة الإدارية في ظل وباء كورونا*-النص الكامل-

الباحث في القضاء الإداري عبد المطلب الزكاري يقدم مقالة اكاديمية بعنوان*المشروعية الإستثنائية للشرطة الإدارية في ظل وباء كورونا*-النص الكامل-

المشروعية الإستثنائية للشرطة الإدارية في ظل وباء كورونا

 

عبد المطلب الزكاري

باحث في القضاء الإداري

 

مقدمة:

 

ظهر فيروس كورونا في مدينة ووهان الصينية في أواخر سنة 2019 وأوائل سنة 2020، وبعد انتشاره في العديد من بلدان العالم، وظهور حالات عدوى من الإنسان للإنسان فإن منظمة الصحة العالمية اعتبرته حالة طوارئ صحية عالمية.

والمغرب كباقي مجموعة من البلدان التي عرفت حالات إصابة بهذا الفيروس الخطير عمِل على وضع إجراءات وتدابير في سبيل مواجهة هذه الجائحة الوبائية الإستثنائية.

ولكون هذا الفيروس يهدد النظام العام بعناصر الأمن العام والصحة العامة والسكينة العامة  الأمر الذي فرض مجموعة من الإجراءات الأمنية الإحترازية لمواجهة هاته الكارثة الصحية.

حيت عمل المغرب منذ إعلان إصابات مؤكدة لا تتعدى الاربعون بهذا الفيروس، تم إعلان حالة الطوارئ وحظر التجول كإجراء احترازي ووقائي يدخل ضمن ممارسات الشرطة الإدارية التي يعهد لها حفظ النظام العام بعناصر كلية من خلال اجراءات وتدابير احترازية وقائية.

وقد عرف حالة الطوارئ الفقيه “دولوبادير” بأنها نظام استثنائي للبوليس تبرره فكرة الخطر الوطني، بينما ذهب أخرون الى اعتباره نظام استثنائي يمكن تطبيقه على جزء أو كل اقليم الدولة المهدد أو الذي يوجد في أزمة، ومن أثاره أنه يمنح سلطات معتبرة لرجال الشرطة الإدارية، إذ تتمتع هاته الأخير بمجال أوسع في تقييد الحريات العامة.

 

فما هي مبررات وضوابط تدخل الشرطة الإدارية في ظل هاته الظروف الوبائية؟

 

سنتناول الإجابة عن هذا التساؤل في فقرتين  أساسيتين كالتالي:

 

الفقرة الأولى: نطاق نشاط الشرطة الإدارية في ظل وباء كورونا.

 

إذا كانت سلطات الضبط الإداري تختلف باختلاف الزمان فإن لحظات معينة من الزمان تدفع بهاته القاعدة إلى أقصى مدى وتتطلب اتساعا هائلا في سلطات الشرطة الإدارية، وهذه اللحظات تسمى في القانون الإداري بالظروف الإستثنائية ويتحقق ذلك عندما تشعر الإدارة في هذه الظروف بحاجتها إلى المزيد من الأمن والنظام ويكون ذلك في حالة الحرب أو وجود فئة مسلحة أو كارثة طبيعية أو انتشار وباء شديد الخطورة بالأفراد كما هو الحال لوباء كورونا المستجد كوفيد 19،إلى غير ذلك من الأحداث غير المألوفة التي تجتاح المجتمع فتهدد كيانه ووجوده.

فقد لا تكفي سلطات الشرطة الإدارية العادية للمحافظة على النظام العام في الظروف الإستثنائية، وهذا يتطلب سلطات أوسع لمواجهة تلك الظروف غير العادية والتي تحدث بشكل فجائي وبصورة غير متوقعة.

أولا : دور التشريع في توسيع سلطات الشرطة الآدارية خلال الوباء

 

إن الإدارة ملزمة بأن تعمل على حفظ النظام العام وسير المرافق العامة سيرا منتظما، فإذا تبين لها أن قواعد المشروعية من شأنها أن تحول دون أدائها لهذا الواجب فلها ان تتحرر مؤقتا من تلك القواعد بالقدى الذي يمكنها من أداء واجباتها.

 

وهي هذا الصدد فإن المشرع عندما يتوقع ظروف استثنائية معينة، فإنه يبادر إلى وضع التنظيمات اللازمة المتوقعة بحيث يقرر للإدارة الإختصاصات والسلطات الإضافية التي يرى أنها ضرورية لمواجهة الأزمة، فإذا تحققت الإدارة من قيام الظروف الاستثنائية المنصوص عليها، فإنها تلجأ بشكل فوري إلى استخدام هذه الإختصاصات الجديدة.

لذلك فإن الغرض الأساسي من النصوص الإستثنائية هو وضع الحواجز المشروعة التي يتعين على الإدارة  أن تراعيها خلال الظروف الإستثنائية، مادام أن تلك الظروف أصبحت مسألة منصوص عليها قانونا، كما أن مسألة تنظيم الظروف الإستثنائية بنصوص قانونية لقيت قبولا كبير عند الكثير من الفقهاء الذين دافعوا عن فكرة مقتضاها أنه يمكن مواجهة الأزمة دون الخروج عن المجال المحدد للمشروعية حتى ولو تعلق الأمر بنشروعية استثنائية.

كما يعد المغرب من بين الدول التي اعترفت رسميا بموجب دستورها وكذا نظامها القانوني بالظروف الإستثنائية، وهذا يظهر انطلاقا من الدستور المغربي لسنة 2011 الذي اجاز للملك أن يعلق حالة الإستثناء لمواجهة أي خطر يمكن أن يشكل تهديدا لوحدة التراب الوطني أو يحول دون قيام مؤسسات الدولة بدورها الدستوري، من اجل ذلك يخول صلاحية اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة التي يفرضها الدفاع عن الوحدة الترابية ويقتضيها السير العادي للمؤسسات الدستورية رغم الإعلان عن حالة الإستثناء، بحق للافراد ممارسة الحريات والحقوق الأساسية التي يضمنها الدستور ويوضع حدا لحالة الإستثناء بمجرد انتفاء الأسباب التي دعت إليها.

وفي هذا الإطار ينص الفصل 59 من الدستور على ” إذا كانت حوزة التراب الوطني مهددة، أو وقع من الأحداث ما يعرقل السير العادي للمؤسسات الدستورية، أمكن للملك أن يُعلن حالة الاستثناء بظهير، بعد استشارة كل من رئيس الحكومة، ورئيس مجلس النواب، ورئيس مجلس المستشارين، ورئيس المحكمة الدستورية، وتوجيه خطاب إلى الأمة.

 

ويُخول الملك بذلك صلاحية اتخاذ الإجراءات التي يفرضها الدفاع عن الوحدة الترابية، ويقتضيها الرجوع، في أقرب الآجال، إلى السير العادي للمؤسسات الدستورية.

 

لا يحل البرلمان أثناء ممارسة السلطات الاستثنائية. تبقى الحريات والحقوق الأساسية المنصوص عليها في هذا الدستور مضمونة. تُرفع حالة الاستثناء بمجرد انتفاء الأسباب التي دعت إليها، وباتخاذ الإجراءات الشكلية المقررة لإعلانها”.          “

وفقا لمقتضيات المادة الأولى من مرسوم رقم 2.20.292 الصادر بتاريخ 23 مارس 2020 بسن احكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها “ يعلن عن حالة الطوارئ الصحية باية جهة أو عمالة أو إقليم أو جماعة أو أكثر. او بمجموع أرجاء التراب الوطني عند الإقتضاء. كلما كانت حياة الأشخاص وسلامتهم مهددة من حراء انتشار أمراض معدية أو وبائية واقتضت الضرورة إتخاذ  تدابير استعجالية لحمايتهم من هذه الأمراض والحد من انتشارها تفاديا للأخطار التي يمكن أن تنتج عنها“.

وجاء في المادة الثانية في فقراها الثانية من نفس المرسوم ” ويمكن تمديد مدة سريان مفعول حالة الطوارئ الصحية…” يعتبر هذا المرسوم من التدابير القانونية الإحترازية التي تدخلت بواسطتها الحكومة من اجل تقنين تدخلها في إطار الشرطة الإدارية في الظروف الإستثنائية وخلال انتشار الاوبئة بصفة خاصة.

ولحفظ النظام العام ومواجهة فيروس كورونا المستجد كوفيد 19 تم إصدار مرسوم رقم 2.20.293 صادر في 24 مارس 2020 بإعلان حالة الطوارئ بناء على المرسوم السابق ذكره وتطبيقا له.

وقد ألزم هذا المرسوم عدم مغادرة الأشخاص لمحل سكناهم، ومنع تنقلهم خارحه واغلاق المحلات التجارية التي تستقبل العموم، وكذا غيرها من الإجراءات الإحترازية غير المألوفة لمواجهة ظرفية كورونا الإستثنائية.

 

ثانيا: دور القضاء في توسيع صلاحية الشرطة الإدارية خلال الوباء

 

قد تكون الحلول التشريعية رغم دقة أحكامها غير كافية لمواجهة الظروف الإستثنائية، إذ يتوقع المشرع ظرفا استثنائيا معينا فيمضمن الدستور نصا أو يصدر قانونا معالجا له، ثم يطرأ ظرف استثنائي جديد لم يكن في الحسبان ولم يسبق توقعه لوضعت حلول مناسبة له ولهذه الإعتبارات اضطر القضاء أن يتدخل لسد ما قد يشوب الحلول التشريعية للظروف الإستثنائية من نقص، فيخول الإدارة بالرغم من قصور النصوص، السلطات الواسعة التي تمكنها من مواجهة ودفع الأخطار حتى تنتفي الأسباب التي أدت إلى وقوع هذه الظروف.

ومن بين الأساليب التي اعتمدها القضاء الإداري كحلول قضائية لمواجهة الظروف الإستثنائية يمكن الإشارة إلى ما يلي:

 

– التفسير الفضفاض للنصوص التشريعية: لقد أخذ القضاء الإداري بأسلوب التفسير الواسع لنصوص الدستور والتشريعات، غير أن الذي يهمنا ما تعلق منها بمجال الشرطة الإدارية.

بداية تنبغي الإشارة إلى أن التفسير على ثلاثة أنواع، تفسير تشريعي وتفسير قضائي وأخر فقهي، وما يهمنا بهذا الصدد هو التفسير القضائي الذي يعرف بأنه غير موحد عكس التفسير التشريعي، لأن المحكمة وهي بصدد النظر في نازلة معينة تبحث عن الإرادة المفترضة للمشرع، فتفسر النص على طريقة معينة، إلا أن نفس المحكمة قد تنظر في نازلة مماثلة أو مختلفة تخضع لنفس النص الغامض، فتعطيه تفسيرا أخرا مخالفا للتفسير السابق، كما أن هذا التفسير القضائي غير ملزم، فالتفسير الصادر عن المحكمة وهي بصدد النظر في نازلة لا يلزم باقي الحاكم ولو كانت قضائية متشابهة.

واستنادا إلى التفسير الواسع للنصوص، فقد رخص مجلس الدولة الفرنسي للإدارة أن تمارس في ظل الظروف الإستثنائية سلطات لا يسمح بتفسيرها أو ممارستها في الظروف العادية بالتخلي عن التفسير الحرفي لهذه النصوص.

من ذلك حكمه الصادر بتاريخ 6 غشت 1915 في قضية دلموط DELMOTTE حيث تتلخص وقائع هذه القضية في أن الحاكم العسكري لمدينة نانسي أصدر أمرا لإغلاق الحانة المملوكة للسيد “دلموط” لحدوث مشاجرات فيها أثرت بمصالح الدفاع القومي.

وقد استند الحاكم العسكري في إصداره لهذا الأمر إلى الفقرة الرابعة من المادة 9 من قانون الأحكام العرفية الصادر في 9 غشت 1849.

وقد طعن السيد “دلموط” بالإلغاء أمام مجلس الدولة الفرنسي في القرار تأسيسا على أنه كانت الفقرة الرابعة المشار إليها ترخص للسلطة العسكرية في أن تمنع الإجتماعات التي ترى أنها تخل بالنظام العام، فإن المقصود بهذه الفقرة، هو الإجتماع الذي تعقده مجموعة من الأفراد بناء على دعوة لمناقشة أمر خاص يتعلق بمصالحهم وحقوقهم، أما تواجد بعض الأفراد في المقاهي والحانات، فلا يعتبر اجتماعا بالمعنى القانوني الذي تقصد هذ الفقرات، ولذلك تكون السلطة العسكرية قد تجاوزت سلطاتها المنصوص عليها في قانون الأحكام العرفية.

 

غير أن المفوض corneille  ذهب في مذكرته التي أعدها إلى قانون الأحكام العرفية هو قانون استثنائي يختلف عن القوانين العادية ولذلك لا يجب أن يتم تفسيره على النحو الذي نفسر به هذه القوانين، ولكن بجب أن يفسر تفسيرا واسعا يتلائم مع ضروريات الظروف الشاذة. وطبقا لهذا التفسير تعتبر الحانات أماكن معدة لعقد اجتماعات فيها، وبالتالي ينطبق عليها حكم الفقرة الرابعة من المادة التاسعة من قانون الأحكام العرفية فتملك السلطات العسكرية أت تصدر أوامرها بإغلاقها.

وقد تبنى مجلس الدولة الفرنسي وجهة نظر مفوضه، فقرر أن السلطة العسكرية المكلفة بحماية الأمن العام في المناطق المعلنة فيها هذه الأحكام حق منع كافة الإجتماعات ولو تمت عرضا في الأماكن المفتوحة للجمهور كالحانات والمقاهي، وذلك إذا رأت أنها قد تؤدي إلى الإخلال بالنظام على نحو يعرض مصالح الدفاع للخطر، وانتهى المجلس إلى رفض الطعن المقدم من طرف مالك الحانة.

يتضح من خلال هذا الحكم أن القضاء خول السلطات الإدارية سلطات غير مألوفة في الظروف العادية ولو كانت متشددة ومقيدة للحقوق والحريات بحيث تصبح الإجراءات التي تعتبر غير مشروعة في الظروف العادية، مشروعة إذا اتخذت لحماية النظام العام أو الحفاظ على استمرار المرفق في الظروف الإستثنائية.

-تقرير للسلطة العمومية اختصاصات جديدة

 

درج القضاء الإداري على الترخيص لهيئات الشرطة الإدارية عند قيام ظروف استثنائية أن تباشر اختصاصات جديدة وذلك من أجل المحافظة على النظام العام، فمن أجل سد الفراغ نتيجة غياب النصوص القانونية لمواجهة الظروف الاستثنائية يتدخل القضاء لمساندة الحكومة بمنحها اختصاصات جديدة من أجل معالجة وضع الخطر الذي يتعرض له النظام العام.

ومن أحكام مجلس الدولة الفرنسي في هذا الصدد حكمه الصادر في 7 يناير 1948 في قضية LEOCO حيث تتلخص وقائع هذه القضية في أنه بعد احتلال الجيش الألماني بلدية Fécamp  خلال الحرب العالمية الثانية قيل هرب معظم سكان هذه البلدة، ولم يبق إلا عددا قليلا من الأفراد لا يملكون أي موارد يعيشون منها، ولقد دفع هذا الموقف رئيس البلدية إلى فرض تدابير اقتصادية غير منصوص عليها في القوانين السارية.

تمثل هاته التدابير في فرض ضريبة على الصفقات التجارية والصناعية حتى يستطيع أن يزود هؤلاء الأفراد بالموارد التموينية، حيث طعن في الإجراء الذي اتخذه رئيس البلدية، غير أن مجلس الدولة الفرنسي رفض إلغاء الآجراء واعتبره مشروعا.

اعتبر مجلس الدولة في هذه القضية أن ما لجأ إليه عمدة fécamp بالتحصيل المؤقت للضريبة عن الإرادات التي حققتها المتاحر والمصانع المدنية لمواجهة الظرف الإستثنائي يعتبر مشروعا.

الفقرة الثانية: ضوابط ممارسة الشرطة الإدارية في ظل الوباء

 

إن الظروف الإستثنائية تحول تخول للإدارة سلطات واسعة لا تتمتع بها في الظروف العادية، وذلك بهدف مواجهة الأموال الطارئة. وإذا كانت هذه السلطات التي تتمتع بها الإدارة في ظل الظروف الإستثنائية تقيد الحريات، فالظروف الحيوية للبلاد ومصالح، أي الدفاع الدفاع عن المصلحة العامة أولى بالاعتبار والرعاية من احترام حقوق وحريات الأفراد، لذلك تطلب القضاء شروطا معينة يجب أن تتوافر في الظرف الإستثنائي، لأن السماح لسلطات الشرطة الإدارية بقدر من الممارسات التقديرية أوسع مما تسمح أو ارخص به القوانين واللوائح في الظروف العادية المألوفة وقد يصل الأمر إلى إهدار الحريات العامة كلية ومنع ممارستها بصورة كاملة.

وتأسيسا على ما تقدم، إذا كان يسمح للإدارة في ظل الظروف الإستثنائية لممارسة اختصاصات جديدة، فإن ذلك لا يعني أن تصرفاتها في هذه الظروف تكون طليقة من كل قيد، لذلك توجد ضوابط وقيود ترد على سلطان الضبط خلال الظروف الإستثنائية وتحدد الإجراء الضبطي.

حيت يمكن حصر هذه القيود في أن يكون الإجراء الضابط قد اتخذ خلال الظروف الإستثنائية، وضروي ولازم، بالإضافة الى ملائمة الإجراء الضبطي للظروف الإستثنائية.

 

أولاأن يكون الإجراء الضبطي اتخذ خلال الظروف الإستثنائية

 

إتضح انا أن الظروف الإستثنائية تبرر ترخيص لهيئات الشركة الإدارية بممارسة سلطات واختصاصات واسعة لا تسمح بها ولا تجيزها القوانين والأنظمة السارية حتى لو خالفت ذلك مبدأ المشروعية العادية، وتبعا لذلك يتعين إجراء الضبط حتى يكون في إطار المشروعية الإستثنائية أن يكون قد اتخذ خلال الظروف الإستثنائية، وفي هذا المعنى يتحقق الظرف الإستثنائي عند وجود قيام حالة واقعية أو قانونية ذات طابع استثنائي يتطلب التدخل بإجراء ضبطي.

لإضفاء المشروعية على تصرفات هيئات الضبط، ولتبرير ما اتخذ من اجراءات خلال تلك الظروف الإستثنائية، يتعين على هيئات الضبط الإداري أن تثبت أن هناك ظروفا إستثنائيا لم تتضمنها القوانين العادية، وأن تلك الإجراءات الإستثنائية قد اتخذت خلال تلك الظروف.

وترتيبا على ما تقدم فعندما تطرح على القاضي الإداري قضية تدعي فيها الإدارة قيام ظروف استثنائية لتبرر ما إتخذته من إجراءات، فإنه يتحقق من خلالها من قيام ظروف استثنائية من عدمه.

فالمسألة أولا وأخيرا مسألة وقائع يقررها القاضي الإداري في ضوء الظروف الزمانية والمكانية التي يحيط بها.

هذا ما أكده مجلس الدولة في قضية Veuve  Goguet بتاريخ 3/05/1946 من عدم مشروعية القرار الذي اتخذه عمدة مدينة نانث NANTES بالإستيلاء على شقة مملوكة لإحدى السيدات لتقيم العائلات التي نزحت من المناطق التي كانت مسرحا للعمليات الحربية في فرنسا خلال الحرب العالمية الثانية ذلك أن المصاعب والظروف التي واجهتها الإدار ة في تلك المدينة لا تبرر إصدار قرار الإستيلاء.

 

ثانيا- ضرورة الإجراء ولزومه

إن وقف ممارسة الحريات العامة والحقوق يجب أن يكون بالقدر وفي الحدود الضرورية التي تتيح للإدارة القدرة على مواجهة الأخطار الناتجة عن الظروف الإستثنائية بالفعل. وهذا ما يستوجب عدم تجاوز الإدارة مقتضيات الظروف الإستثنائية التي تواجهها، وذلك تأسيسا على القاعدة التي تقول أن: “الظروف تقدر بقدرها“. وبعبارة أخرى وبالمفهوم المقابل تعطل أو توقف ممارسة الحرية عند نقطة تعارضها مع قدرة الإدارة على مواجهة الأخطار. وهو ما يمكن أن نعبر عنه بأن المشروعية الإستثنائية تجد سلامتها في ضروراتها.

لذلك فإن إجراء الشرطة الإدارية لا يعتبر مشروعا إلا إذا كان ضروريا من أجل الحفاظ على النظام العام، وهذا هو السبب الذي يدفع بالقضاء إلى بحث كافة الظروف الواقعية الكبررة لإتخاذ هذه الإجراءات.

لذا يقوم القضاء الإدارية بالتحقق من أن مواجهة الظروف الإستثنائية تتطلب إتخاذ إجراء استثنائي لا يسعف به التشريعات السارية، وهو ما يعني ضرورة الإجراء الإستثنائي ولزومه لمتطلبات الحالة، فإذا ثبت له أن الإدارة كانت تستطيع أن تتغلب على المصائب الناجمة عن الظروف الإستثنائية القائمة يما تملك من سلطات ووسائل تنص عليها التشريعات السارية ومع ذلك اتخذت إجراء استثنائيا لا تجيزه هذه التشريعات، فإنه يحكم بإلغاء الإجراء.

 

ثالثا- أن يكون الإجراء ملائما للظروف الإستثنائية

يجب أن تراعي الإدارة الملائمة في مدى التصرف ما بين الخطر المتوقع وبين الإجراء الذي اتخذ لمواجهته، بمعنى ألا تشوب تصرفها شطط، ولا تضحي بمصلحة خاصة في سبيل مصلحة عامة، إلا بمقدار ما تقتضيه الضرورة، فيجب على الإدارة أن تختار من الوسائل أقلها ضررا بالأفراد.

وبالتالي يتعين أن يكون الإجراء الذي تتخذه الإدارة لمواجهة الظروف الإستثنائية ملائما ومناسبا لمتطلبات هذه الظروف، وهو ما يستوجب على الإدارة أن تتصرف طبقا لما تقتضيه مجابهة هذه الظرف الإستثنائي وأن يكون هذا التصرف بالقدر الذي يكفي لمعالجة هذه الظروف دون إفراط أو تفريط.

ويقوم القضاء الإداري بمراقبة تقدير الإدارة بأهمية خطورة الإضطرابات في ظل تلك الظروف، وذلك للتحقق من مدى ملائمة الإجراء الذي تقيد به الإدارة حريات الأفراد، وما إذا كان من الممكن اللجوء إلى إجراء أخف وطأة بدل الإجراء المتخذ للتحقيق ذلك الهدف، وبين نطبيق قواعد المشروعية على أعمالها في هذه الظروف. ومن تم يلجأ إلى تطبيق ق اعد المشروعية الإستثنائية من ذات طبيعة الظروف التي تواجهها الإدارة.

 

خاتمة:

يتبين مما سبق أن التشريع والقضاء يصبحان وسيلة فعالة لتيسير إحتواء سلطات الشرطة الإدارية الأزمات المختلفة التي تشكل حالة طارئة واستثنائية، وذلك من خلال المرونة التي يفسر بها القضاء النصوص والقوانين وكذا الإمتيازات التشريعية التي لا يتم اللجوء اليها إلا عند تحقق ضوابط حالة الطوارئ الإستثنائية.

 

 

 

لائحة المراجع :

 

– رشدي اسبايطي، قرارات الضبط الإداري في الظروف الإستثنائية، مقال منشور بالمجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية.

– كريمة خلدون، أساس المسؤولية عن أعمال الضبط الإداري بين الخطأ الجسيم والخطأ البسيط، مقال منشور بالمجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد 136 سنة 2017.

– غلاي حياة، حدود سلطات الضبط الإداري، مذكرة لنيل شهادة الماجستير في القانون العام المعمق، جامعة أبو بكر بلقايد تلمسان، السنة الجامعية 2015.

– حامد حبش، سلطات الضبط الإداري في الظروف الإستثنائية، بحت لنيل شهادة الباكلوريوس، جامعة ديالي، السنة الجامعية 2017.

– الجريدة الرسمية عدد 6867، 24 مارس 2020. الصفحة 1782.

– الجريدة الرسمية عدد 6867 مكرر، 24 مارس 2020، الصفحة 1783.

عن afriquemondearab

شاهد أيضاً

الجامعة المغربية لحقوق المستهلك تتابع بقلق احتقان قطاع التعليم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *