الأحد , أبريل 14 2024
أخبار عاجلة
الرئيسية / سياسة / انتخابات الاتحاد العام لمقاولات المغرب، أو عندما يشرعن التحكم باسم مبدأ الحياد

انتخابات الاتحاد العام لمقاولات المغرب، أو عندما يشرعن التحكم باسم مبدأ الحياد

 

         بقلم منير بكاري

 

 

 سارعت قيادة الاتحاد العام لمقاولات المغرب، أيام قليلة قبل موعد انتخاب رؤساء فروع الاتحاد ونوابهم بالجهات الجنوبية الثلاث إلى تعليق الانتخابات وإقفال أبوابها متذرعة بوجود  خروقات وطعون في عمليات تسجيل المنخرطين وفي التحضير للانتخابات، من دون أن تقيم أدنى حجة على وجودها، ومن دون أي مراسلة أو وثيقة رسمية تتيح للمتضررين سلك المسطرة القضائية بحثا عن العدالة.

أيام قليلة بعد ذلك وبالضبط بتاريخ 27 ماي 2021 ، صادق  مجلس إدارة الاتحاد على قرار غريب وعجيب، يقضي بتعديل نظامه الداخلي، يمنع بمقتضاه على المترشحين المنتمين إلى الأجهزة التقريرية والتنفيذية للأحزاب السياسية الترشح لمهام: رئيس الاتحاد ونيابة الرئيس، ورؤساء الاتحادات الجهوية ثم الفيدراليات القطاعية الداخلية العضو  بالاتحاد.

ما هي الرسائل الضمنية التي تبتطن، هذين القرارين الذين أطرا تعامل الاتحاد مع موضوع الانتخابات الجهوية بالجهات الجنوبية ومع مسألة الانتماء الحزبي ؟ .

نسارع إلى الجواب بالقول، أنه في تقديرنا الأمر يتعلق بثلاثة رسائل واضحة وإن كانت ضمنية:

الرسالة الأولى: وهي أن الاتحاد وبعد 73 سنة من تأسيسه تحت مسمى “الاتحاد العام لأرباب العمل بالمغرب”، قد عرج إلى مسار جديد غير مسبوق وبعيد عن  ما درج عليه في ما مضى في التعامل مع منخرطيه، ضاربا عرض الحائط مبادئ مساواة بين جميع منخرطيه، والتنافس الحر والنزيه واحترام إرادة الناخبين (المنخرطين) المكفولين بمقتضى مبادئ الدستور والقوانين المنظمة؛

الرسالة الثانية: وهي أن الاتحاد قد أضحى عاجزا عن تحقيق حياده الفعلي والحفاظ على استقلاليته الحقيقية التي يسند بها ظهره، ويعزز بها وحدته التنظيمية والاقتصادية في الدفاع عن المصالح المادية والمعنوية للمقاولات المغربية لدى السلطات العمومية، بعدما نصبت بعض الجهات داخل قيادة الباترونا نفسها طرفا غير محايد  في استحقاقات انتخابية  من المفروض ان تجري بشكل تنافسي وديمقراطي بين أرباب المقاولات بالجهات الجنوبية الثلاث أيا كان انتماؤهم السياسي والحزبي.

الرسالة الثالثة: تؤشر على القلق وعدم الرضا الذي يتملك بعض الأطراف في الاتحاد  وخارجه، والذي يتجسد في تخوفهم من أن يؤدي الانخراط  والوحدة والثقة والاجماع غير المسبوق الذي عبر عنه المقاولون بأقاليمنا الجنوبية في الجهات الجنوبية الثلاث بترشيحهم لكل من مولاي حمدي ولد الرشيد، وبولون السالك المنتميين  إلى حزب الاستقلال، إلى تغيير موازين القوة داخل الاتحاد أو خارجه، وهو ما دفع بعض الأطراف داخل الاتحاد  إلى استغلال سلطة الاجهزة التقريرية لاستصدار قرار يمنع حق الانتماء السياسي المكفول لكافة المواطنين المغاربة بمقتضى فصل دستوري  وقانوني صريح لا يمكن تقييده إلا بمقتضى قانون صادر عن البرلمان، وليس بنزوة عابرة للمتحكمين في مصير تجمع مهني يفترض أنه يشجع انخراط رجال الأعمال المنتسبين إلى العمل السياسي في تطوير النسيج المقاولاتي والترافع عنه.

وغني عن البيان، أن مثل هذه القرارات من شأنها أن تمس في العمق المكتسبات المحققة في مجال تعزيز النسيج المقاولاتي والتنمية الاقتصادية بأقاليمنا الجنوبية التي  يخصها جلالة الملك بعنايته المولوية الكريمة، وهي قرارات تعيد إلى الأذهان مثيلات لها في مراحل سابقة في عهد الوالي السابق جلموس، ممن إجتهدوا في التمييز بين النخب السياسية والاقتصادية وممن تجاهلوا الإرادة الشعبية ومبادئ التمثيل الديمقراطي الحر والنزيه، عبر استغلال غير مبرر للسلطة التقريرية لشرعنة ممارسات قائمة على التمييز السياسي والحزبي، لكن في النهاية ذهب جلموس ولم يبقى غير التنافس الانتخابي النزيه والشفاف الذي يرعاه ويحميه الدستور وملك البلاد.

إن جوهر الإشكال اليوم، لا يمكن بالبت اختزاله في المنتمين الحزبيين ما دام قد مر منهم الكثير على رأس قيادة الاتحاد، علما أن أغلبهم  كانوا ينتمون إلى الحزب المعلوم الذي يتحدث اليوم منسقه الجهوي بالداخلة، والذي هو بالمناسبة  رئيس الفرع الجهوي للاتحاد العام لمقاولات المغرب بالجهات الثلاث، عن مبدأ الحياد الذي حمله ما لا طاقة له به، بعد أن أضحت منافسته على ذات المهمة على قدر كبير من الصعوبة في ظل ترشيح رجل الأعمال القوي حما أهل بابا.

إن الدرس الأغنى، الذي يمكننا استفادته من الطريقة التي تعاطت بها قيادة الاتحاد العام لمقاولات المغرب مع الانتخابات الجهوية، وهو أن تكريس الحياد الذي يتحدثون عنه، هو أزعومة فاضحة في سياق التبرير الفاشل لهذا السلوك الممنهج،  والذي يروم إشهار سلاح المنع من الترشح لأشخاص بعينهم في محاولة لتغليب طرف على طرف آخر، وأن استمرار نفس المقاربة، يجعل من الاتحاد مشروعا هشا غير قابل للاستمرار لدى شريحة كبيرة من المقاولين وأرباب الشركات، أو على الأقل، مشروعاً مفتوحا على احتمالات الانقسام…

لذلك،  وجب على  نخبة الاتحاد أن تسارع إلى تصحيح هذا الوضع غير السوي، وأن تفهم جيدا، أن حياد هذا الكيان الاقتصادي يقتضي حيادا في مواقفه واستقلالية في قراراته وليس في تجريم الانتماءات الأولية (القبلية) والسياسية لأفراده، وأن الحياد الحقيقي يقتضي حصرا التحرر من ربقة التبعية للحزب المعلوم كما سماه البلاغ الأخير للجنة التنفيذية لحزب الاستقلال.

إن الاتحاد هو ملك لكل المقاولين والمقاولات المنخرطين، لكنه اليوم امام امتحان عسير لقياس مدى قدرته في الحفاظ على ما تبقى من استقلاليته وكيانه، ونأمل أن ينجح الاتحاد في رفع هذا التحدي مع نفسه، وأن يكون قادرا على حماية مشروعه والقواعد والأساسات التي قام عليها لحظة النشأ، والتي يفترض ان تنظر إلى جميع الأعضاء على قدم المساواة أيا كانت انتماءاتهم السياسية والحزبية ، فللأحزاب مجال عملها وللاتحاد وغيره من جماعات الضغط مجال عملهم، وينبغي أن يبقى في منآى عن أي استغلال لمواقع المسؤولية  لتصفية الحسابات وتعزيز الاحتكار السياسي لطرف دون على آخر.

 

.

 

عن afriquemondearab

شاهد أيضاً

الذكتور احمد فطري يوجه رسالة الى رئيس الحكومة عزيز اخنوش

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *