الإثنين , مارس 25 2024
أخبار عاجلة
الرئيسية / مقالات / ذكرى استشهاد علال بن عبد الله التي أشعلت حماس المقاومين المغاربة. بقلم محمد أعزوز

ذكرى استشهاد علال بن عبد الله التي أشعلت حماس المقاومين المغاربة. بقلم محمد أعزوز

الشهيد علال بن عبد الله

“أعظم الأمثلة على التضحية و الغيرة و حسن الوفاء”

محمد أعزوز

 

من حقنا أن نفتخر بتاريخ المقاومة لما فيه من بطولات و أمجاد مبهرة و عظيمة، و دروس و عبر وجب علينا الإستفادة منها، كلما استحضارنا تلك المحطات التاريخية المشرقة، التي أبلى فيها المقاومين بلاء حسنا و خلدهم التاريخ ضمن الأبطال و العظماء. حيث أنهم لم يترددوا في الدود عن حرمة بلدهم بكل جرأة و شجاعة، مع تشبثهم بقيمهم و مبادئهم الراسخة. و رغم عدم تكافئ القوى، تمكنوا من تكبيد المستعمر خسائر و هزائم أرغمته على الخروج مرغما صاغرا، ليستعيد بذلك المغرب استقلاله بعد جهد جهيد ونضال و كفاح و تضحيات جسام، و مقاومة مسلحة و ثورة ملك و شعب، شارك في بطولاتها كل أبناء المغرب الأحرار، من شماله إلى جنوبه، و بذل فيها الغالي و النفيس، و تجسد فيها التحام العرش و الشعب، من أجل استرجاع السيادة الوطنية و الحرية و الكرامة، و من أجل الإستقلال و عودة المغفور له محمد الخامس سليل الدوحة النبوية الطاهرة، بطل التحرير و الإستقلال و رمز الوحدة الوطنية، من منفاه السحيق إلى الوطن العزيز.  

مؤامرة المستعمر و أعوانه لنفي محمد الخامس و الأسرة الملكية بعيدا عن الوطن

كان المغفور له الملك محمد الخامس، ملكا وطنيا محبوبا لدى المغاربة، و كانت تربطه علاقات وثيقة مع قيادات الحركة الوطنية، حيث واكبها و دعمها منذ نشوئها في مطلع الثلاثينات، و تعاون مع زعمائها، و دعم مطالبها في الإستقلال، وكان رمز السيادة المغربية التي مثلها تمثيلا حقيقيا، بفضل حكمته و مواقفه الوطنية البطولية، الشيء الذي لم يرق للمستعمر.

 خلافا لما اعتقدت الإقامة العامة للحماية الفرنسية، بأنها ستتحكم بالشاب المغفور له محمد الخامس، فقد دخل في تحدي و رفض التوقيع على القوانين التي تصدر شكليا باسم الملك، الأمر الذي استفز فرنسا وأعوانها بالمغرب و أربك حساباتهم، وهكذا بدأت الضغوط والمناورات لإبعاد المغفور له محمد الخامس عن المشهد السياسي، فدبروا أمر خلعه.

انعقد في مراكش اجتماع للباشوات والقيادات التقليدية الجهوية، برئاسة حليف فرنسا التهامي الكلاوي، استهدف سحب الشرعية الدينية من الملك محمد الخامس، وكان ذلك مقدمة لنسف سلطته ككل.

وبالفعل تصاعدت الضغوط من قبل الحماية الفرنسية في عهد المقيم العام الجنرال غيوم لتسفر عن نفي الملك محمد الخامس و ولي عهده آنذاك مولي الحسن و شقيقه المولى عبد الله و باقي الاسرة الملكية.

 

يوم 20 غشت 1953

طوقت الإقامة العامة القصر الملكي بالرباط بقواتها العسكرية بعد زوال يوم 20 غشت 1953 تنفيذا لأمر أقرته الحكومة الفرنسية يقضى بخلع جلالة المغفور له محمد الخامس، طيب الله ثراه، ونفيه إلى جزيرة كورسيكا ليتم إبعاده يوم 2 يناير 1954 إلى مدغشقر. حدث هذا أثناء عيد الأضحى المبارك فأثار استياء واشمئزاز الشعب المغربي، حيث كان خلع جلالة المغفور له محمد الخامس يعني في نظر الإستعمار خلع السيادة المغربية خلعا نهائيا.

دمية الإستعمار بن عرفة سلطان الفرنسيين الوهمي

عرض الجنرال كيوم Augutine Guillaume على بن عرفة، بإيعاز من طرف عميل فرنسا الباشا لكلاوي، أن يصبح سلطانا للمغرب، و وافق ابن عرفة على تنصيبه ملكا صوريا، و سرعان ما سيتضح له بأنه ارتكب بذلك أكبر خطأ في حياته. حيث قوبل تنصيبه برفض عارم من قبل القوى الوطنية و الجماهير، و ارتفعت وثيرة عمليات المقاومة والمظاهرات المطالبة بعودة محمد الخامس.

و تميزت السنتين التي استولى فيها على العرش باضطرابات كثيرة و بأحداث و عمليات ستقض مضجع الفرنسيين، ففي 24 ديسمبر عام 1953 قام محمد الزرقطوني بتفجير سيارة في السوق المركزي بالدار البيضاء، و لقي 18 شخصا حتفهم بينما جرح 40 آخرون من بينهم أوروبيون.

 

الجمعة 11 سبتمبر 1953 عملية الشهيد علال بن عبد الله

في يوم الجمعة 11 سبتمبر 1953 و بعد ثلالث أسابيع من تعيينه، سيغادر صنيعة الاستعمار السطان الدمية “محمد ابن عرفة” القصر الملكي بالرباط متوجها نحو مسجد أهل فاس لأداء أول صلاة جمعة.

وضع علال بن عبد الله خطة بنفسه بدون تدريب و بدون دعم، اشترى سيارة فورد رمادية مكشوفة ، و لعدم تمكنه من الحصول على مسدس، قرر تنفيد العملية بسلاح أبيض بعدما سمع في المدياع بخبر توجه بن عرفة سلطان الفرنسيين لأداء صلاة الجمعة.

كان علال بن عبد الله يبلغ 37 سنة من عمره، يلبس جلبابا أبيض، حين توقف بسيارته بالقرب من المشور السعيد في انتظار خروج موكب بن عرفة، بعدها سينضم إلى الموكب، على الساعة 12 و 45 دقيقة، و بكل جرأة و شجاعة و حزم تمكن بسيارته من الوصول بسرعة إلى بن عرفة الذي كان يمتطي حصان، و عند سقوط بن عرفة سيحاول علال بن عبد الله اتمام العملية و الوصول إليه و طعنه بالسلاح الابيض و لكن ضابطا استعماريا ارتمى عليه معترضا سبيله، وفي نفس اللحظة، أطلق مجموعة من رجال الشرطة السرية الذين كانوا متواجدين بنفس المكان، النار على الشهيد علال بن عبد الله الذي سقط على الأرض مصابا بثماني رصاصات، خمس منها في الصدر و الجبين، وثلاث في الظهر. فخر صريعا مدرجا في دمائه، بينما تم نقل ابن عرفة إلى المستشفى للعلاج.

ظلت جثة الشهيد البطل علال بن عبد الله مرمية في مشور القصر الملكي بالرباط، و اقترح قائد من الخونة كان قد قدم لأداء الصلاة مع ابن عرفة، أن يقوم بدفنه في قبيلته زعير في قبر سري.

حمل القائد المعروف بجبروته في قبائل زعير جثة علال بن عبد الله على مثن سيارته مدرجة بالدماء، و قصد بيته الواقع بقبيلة قرب مدينة الرماني، و تم حفر حفرة عميقة في أحد الحقول ثم أمر بدفن الشهيد علال بن عبد الله بجلبابه الأبيض المخضب بالدماء و طربوشه الوطني، بدون مراسيم دفن و لا تحنيط و لا صلاة جنازة.

 وظلت الجثة إلى أن عاد المغفور له محمد الخامس من المنفى سنة 1955، حيث كان أول أمر أصدره هو الكشف عن جثة علال بن عبد الله، و عرفت قصة ذلك القائد الخائن فجاء طائعا إلى القصر الملكي بالرباط، و تقدم بين يدي الملك محمد الخامس واعترف بذنبه طالبا العفو.

أعيد دفن جثمان علال بن عبد الله بطريقة تليق به، و أقيمت له صلاة جنازة في مسجد أهل فاس الذي نفذ بجواره العملية الفدائية، ثم حمل جثمانه ليدفن بمقبرة الشهداء بالرباط.

 

انطلاقة ثورة الملك والشعب التي اعادت الشرعية و الاستقلال للمغرب

و ما زاد هذه  العملية قيمة أنه كان لها أثرها البالغ في زيادة هجمات المقاومة المغربية ضد الحماية الفرنسية، فألهبت الحماس الوطني و أججت روح المقاومة، لتتوالى بعد ذلك العمليات الفدائية. و بعد مرور شهر على عملية الشهيد علال بن عبد الله، سيتمكن بن عرفة من النجاة مرة أخرى باعجوبة، من محاولة اغتيال ثانية بمراكش إلى جانب شريكه في المؤامرة الكلاوي.

وبداية من 1954 تصاعدت و ثيرة الأعمال المسلحة، و استهدفت إحدى العمليات الفدائية باشا مراكش بأحد مساجد المدينة في 20 فبراير من نفس السنة، كما تعرض المقيم العام الفرنسي غيوم هو الآخر لمحاولة اغتيال في 24 ماي.

في 9 سبتمبر 1954 وقع بن عرفة على ظهير فوض فيه معظم سلطته التشريعية إلى مجلس الوزراء و المديرين، الذين كانوا من جنسية فرنسية، و لم يكن الوزراء المغاربة سوى دمى. و نفس الشيء بالنسبة لتعينات الباشاوات و القياد، التي سيمنحها لمجلس مصغر يهيمن عليه الفرنسيين أيضا. و نتيجة لذلك ستختفي ببساطة آخر مظاهر السيادة المغربية، إذ لم يعد محميا و لكن أصبح عمليا مستعمراً من طرف الفرنسيين.

ثم انطلقت شرارة جيش التحرير بشمال البلاد في 1 أكتوبر 1955 وعمت سائر البلاد، حتى عودة السلطان محمد الخامس من المنفى.

 

عودة المغفور له محمد الخامس و الأسرة الملكية من المنفى

انطلقت مفاوضات إيكس ليبان في فرنسا بين السلطات الفرنسية و ممثلي الهيئات المغربية المكونة من 37 شخصية وطنية، من بينهم مبارك البكاي و الفاطمي بن سليمان و محمد المقري إضافة إلى ممثلي الأحزاب: عبد الرحيم بوعبيد و محمد اليازدي و عمر بنعبد الجليل و المهدي بن بركة من جانب حزب الإستقلال، و عبد القادر بن جلون و أحمد بن سودة و عبد الهادي بوطالب و محمد الشرقاوي من طرف حزب الشورى و الإستقلال، بالإضافة إلى فقهاء و قياد، و أسفرت عن تنحية ابن عرفة و عودة المغفور له محمد الخامس في نونبر 1955.

و شكلت عودة المغفور له محمد الخامس من المنفى حدثا بارزا في تاريخ المغرب المعاصر، و فرحة عارمة لدى الشعب المغربي.

و زكى المغفور له محمد الخامس تشكيل أول حكومة وطنية برئاسة أمبارك البكاي يوم 7 ديسمبر 1955 ، و تركزت مهمتها على مواصلة التفاوض مع فرنسا من أجل الاسترجاع الكامل لاستقلال المملكة. و هو ما تحقق بالتوقيع على وثيقة الاستقلال يوم 2 مارس 1956 تم إالغاء معاهدة الحماية و حصل المغرب على استقلاله.

“سلطان فرنسا” المنفي ستتبعه لعنة المغاربة و ستذكره كتب التاريخ بالخائن، و سيطالب محمد بن عرفة ب 30 مليون فرنك مقابل تخليه على العرش، و غادر فاس متجها إلى طنجة و منها إلى مدينة نيس الفرنسية بعد رجوع طنجة إلى السيادة المغربية.

أما رجل فرنسا الباشا الكلاوي الذي شارك في مؤامرة 20 غشت 1953 و الذي كان يطلق على المغفور له محمد االخامس “سلطان كاريان سنطرال” و بعدما تبين له بان السحر انقلب على الساحر، سيطالب برجوع المغفور له محمد الخامس، و قام بتصريح يوم 22 اكتوبر 1955 يبايع فيه محمد الخامس، و في 7 نونبر 1955 سيذهب إلى فرنسا لملاقات المغفور له محمد الخامس حين عاد من مدغشقر. و سيترك الكلاوي ينتظر لوقت طويل قبل السماح له بالدخول، و سيتم إذلاله بتركه يركع أمام محمد الخامس مطالبا بالصفح و العفو في موقف مهين، كانت تلك المرة الاخيرة التي يلتقي فيها الكلاوي المغفور له محمد الخامس. شهرين بعد هذا الحدث و في 23 يناير 1956 سيموت الكلاوي متأثرا بسرطان المعدة.

في 1956 و أثناء الاحتفال بذكرى ثورة الملك و الشعب أشاد السلطان المغفور له محمد الخامس بعلال بن عبد الله قائلا:

«”لقد أبينا إلا أن نظهر اليوم عنايتنا بإزاحة الستار عن اللوحة التذكارية المقامة في المكان الذي سقط فيه المغفور له علال بن عبد الله، ذلك البطل الصنديد الذي برهن على أن العرش منبعث من صميم الشعب المغربي، وأنه من كيانه وضمان وجوده وسيادته، فهب يفتديه ويفتدي الأمة المجسمة فيه بروحه، حتى سقط في ميدان الشرف صريعا، مخلفا للأجيال أعظم الأمثلة على التضحية والغيرة وحسن الوفاء”.»

بهذا العمل البطولي سيظل الشهيد علال بن عبد الله بن البشير الزروالي خالدا في ذاكرة المغاربة، يستحضرون خصاله الرفيعة و إيثاره و نكران الذات و وفائه الصادق لوطنه و لملكه و للقضية المغربية، و سيتحقق مبتغاه الذي كان يطمح له من وراء عمليته الجريئة، و هو انتصار إرادة الأمة المغربية و عودة المغفور له محمد الخامس و الأسرة الملكية إلى أرض الوطن، حاملا لواء الحرية و الإستقلال، داعيا إلى مواصلة الجهاد الأصغر بالجهاد الاكبر و استقلال المغرب، و وضع القواعد الأولى للدولة الحديثة فيه.    

عن afriquemondearab

شاهد أيضاً

عاصفة غزة وجبر الكسور!

مقال الأهرام / عدد اليوم الأثنين 6 نوفمبر  __ عاصفة غزة وجبر الكسور! _____ عزالدين …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *